سورة المدثر - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المدثر)


        


{فَقُتِلَ} لعن، وقال الزهري: عُذّب، {كَيْفَ قَدَّرَ} على طريق التعجب والإنكار والتوبيخ. {ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} كرره للتأكيد، وقيل: معناه لعن على أي حال قدر من الكلام، كما يقال لأضربنه كيف صنع أي على أي حالٍ صنع. {ثُمَّ نَظَرَ} في طلب ما يدفع به القرآن ويرده. {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} كلح وقطب وجهه ونظر بكراهية شديدة كالمهتم المتفكر في شيء. {ثُمَّ أَدْبَرَ} عن الإيمان {وَاسْتَكْبَرَ} تكبر حين دعي إليه. {فَقَالَ إِنْ هَذَا} ما هذا الذي يقرؤه محمد {إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} يروى ويحكى عن السحرة. {إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ} يعني يسارًا وجبرًا فهو يأثره عنهما. وقيل: يرويه عن مسيلمة صاحب اليمامة. قال الله تعالى: {سَأُصْلِيه} سأدخله {سَقَرَ} وسقر اسم من أسماء جنهم.


{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} أي لا تبقي ولا تذر فيها شيئًا إلا أكلته وأهلكته. وقال مجاهد: لا تميت ولا تحيي يعني لا تبقي من فيها حيًا ولا تذر من فيها ميتًا كلما احترقوا جُدِّدوا. وقال السدي: لا تبقي لهم لحمًا ولا تذر لهم عظمًا. وقال الضحاك: إذا أخذت فيهم لم تبق منهم شيئًا وإذا أعيدوا لم تذرهم حتى تفنيهم ولكل شيء ملالة وفترة إلا لجهنم. {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} مغيرة للجلد حتى تجعله أسود، يقال: لاحه السقم والحزن إذا غيره، وقال مجاهد: تلفح الجلد حتى تدعه أشد سوادًا من الليل. وقال ابن عباس وزيد بن أسلم: محرقة للجلد. وقال الحسن وابن كيسان: تلوح لهم جهنم حتى يروها عيانًا نظيره قوله: {وبرزت الجحيم للغاوين} [الشعراء- 91] و{لَوَّاحَة} رفع على نعت {سقر} في قوله: {وما أدراك ما سقر} والبَشَر جمع بشرة وجمع البشر أبشار. {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} أي: على النار تسعة عشر من الملائكة، وهم خزنتها: مالك ومعه ثمانية عشر. وجاء في الأثر: أعينهم كالبرق الخاطف، وأنيابهم كالصياصي، يخرج لهب النار من أفواههم، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة، نزعت منهم الرحمة، يرفع أحدهم سبعين ألف فيرميهم حيث أراد من جهنم.
قال عمرو بن دينار: إن واحدًا منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر.
قال ابن عباس، وقتادة، والضحاك: لما نزلت هذه الآية قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة يخبر أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدَّهم، أي: الشجعان، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد من خزنة جهنم قال أبو الأشد أسيد بن كلدة بن خلف الجمحي: أنا أكفيكم منهم سبعة عشر، عشرة على ظهري وسبعة على بطني، فاكفوني أنتم اثنين.
وروي أنه قال: أنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر في النار ونمضي فندخل الجنة. فأنزل الله عز وجل: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً}.


{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً} لا رجالا آدميين، فمن ذا يغلب الملائكة؟ {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ} أي عددهم في القلة {إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أي ضلالة لهم حتى قالوا ما قالوا {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} لأنه مكتوب في التوراة والإنجيل أنهم تسعة عشر، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} يعني من آمن من أهل الكتاب يزدادون تصديقًا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا وجدوا ما قاله موافقًا لما في كتبهم {وَلا يَرْتَابَ} ولا يشك {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ} في عددهم {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} شك ونفاق {وَالْكَافِرُونَ} مشركو مكة {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا} أي شيء أراد بهذا الحديث؟ وأراد بالمثل الحديث نفسَه. {كَذَلِكَ} أي كما أضل الله من أنكر عدد الخزنة وهدى من صدق كذلك {يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ} قال مقاتل: هذا جواب أبي جهل حين قال: أما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر؟ قال عطاء: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ} يعني من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار، لا يعلم عدتهم إلا الله، والمعنى إن تسعة عشر هم خزنة النار، ولهم من الأعوان والجنود من الملائكة ما لا يعلم إلا الله عز وجل، ثم رجع إلى ذكر سقر فقال: {وَمَا هِيَ} يعني سقر {إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} إلا تذكرة وموعظة للناس. {كَلا وَالْقَمَرِ} هذا قسم، يقول: حقا. {وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} قرأ نافع وحمزة وحفص ويعقوب {إذ} بغير ألف، {أدبر} بالألف، وقرأ الآخرون {إذا} بالألف {دبر} بلا ألف، لأنه أشد موافقة لما يليه، وهو قوله: {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} ولأنه ليس في القرآن قسم بجانبه إذ وإنما بجانب الإقسام إذا ودبر وأدبر كلاهما لغة، يقال: دبر الليل وأدبر إذا ولى ذاهبًا. قال أبو عمرو: دبر لغة قريش، وقال قطرب: دبر أي أقبل، تقول العرب: دبرني فلان أي جاء خلفي، فالليل يأتي خلف النهار.
{وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} أضاء وتبين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5